أثناء تفكيري في موضوع هذا المقال، تذكرت قصة قصيرة كانت نقطة تحول في فهمي لهذا الموضوع؛ قصة أضاءت لي سبب اللوم الذي نوجهه لأنفسنا وما سبب كرهك لنفسك؟. بينما كنت أشرح الدرس، شعرت بطاقة الكراهية تنبض بداخلي تجاه طالبة، ولم أعرف السبب. لم يكن الأمر مرتبطًا بمستواها الدراسي، سواء كان جيدًا أو ضعيفًا. أحاول دومًا أن أتصرف بعقلانية، وأن أتحكم بتصرفاتي ولا أدع طاقة الكراهية تؤثر على أسلوبي. في ذالك الوقت، شعرت بأنني أصبحت أكثر وعيًا بنفسي، ومع ذلك فاجأتني هذه الطاقة مجددًا، مما دفعني للتفكير: لماذا أشعر بهذه السلبية تجاه هذه الطالبة بالذات من بين عشرين طالبًا، رغم أنهم جميعًا في نفس المستوى؟
مع مرور الوقت، قررت أن أتقرب منها لأفهم سبب هذا الشعور. اكتشفت لاحقًا أنها تمر بمشكلات عائلية معقدة. تزوجت بسن صغيرة، وأنجبت ثلاث أطفال، وعادت بعد سنوات لتكمل دراستها محاولةً شق طريقها الخاص. هي شعرت بالدونية لأنها لا تملك شهادة جامعية أو وظيفة، وهذا الشعور بات يعصف بها ويؤلمها. لم يكن لدي تفاصيل كثيرة، فلا يليق بي كأستاذة التدخل في حياتها الخاصة.
مع ذلك، حاولت أن أرسل لها رسالة غير مباشرة: النجاح لا يقتصر على الشهادة الجامعية. لقد كانت أماً ناجحة لثلاثة أطفال، تجتهد في تربيتهم، وتعيش حياتها بشجاعة. النجاح له معانٍ متعددة، فقد يكون في استقرار عائلي، أو في تحقيق الذات، أو في الرضا عن النفس. المهم هو أن نرى النجاح بمنظور شخصي، بعيدًا عن المقارنات والتصنيفات.
أدركت أن شعوري بالكراهية تجاهها ليس سوى انعكاس لمشاعرها هي تجاه نفسها؛ كانت ترفض نفسها وتبث شعورًا غير واعٍ للآخرين برفضها. الكراهية الذاتية ليست مشكلة بسيطة؛ إذ تؤثر على الشخص نفسه وعلى تفاعلاته مع الآخرين. فالشخص الذي يكره ذاته يرسل إشارات سلبية للآخرين دون وعي منه، فيشعر الآخرون بالنفور منه، وهو ما يعمق من شعوره بالعزلة والتهميش.
هذا جعلني أفهم أعمق مشاعر التواصل الإنساني؛ في كثير من الأحيان، نجد أنفسنا ننجذب لأشخاص ونشعر بالراحة معهم بدون سبب منطقي، وأحيانًا أخرى نشعر بالنفور من آخرين. يعزى هذا إلى طبيعة الطاقة الداخلية لدى كل شخص. فإذا كان الفرد مرتاحًا ومحبًا لنفسه، فإنه يشع طاقة إيجابية تجعل الآخرين يرتاحون معه، والعكس صحيح.
إذا كان الشخص مرتاحًا مع نفسه ويحب ذاته، فإن الآخرين يشعرون بتلك الثقة ويبادلونها بالراحة والمحبة. لكن إذا كان الشخص قاسيًا على نفسه ويشعر بالرفض الداخلي، فإن هذا الشعور ينعكس علينا ونشعر كأنه يطلب منا رفضه. هكذا هو التواصل النفسي بين البشر؛ كيف نرى أنفسنا هو ما يراه الآخرون فينا.
ما سبب كرهك لنفسك؟
تعتبر الكراهية الذاتية حالة نفسية يشعر فيها الفرد بمشاعر سلبية تجاه نفسه، مثل الشعور بعدم الجدارة، أو عدم القبول، أو حتى الرفض التام للذات. وقد تنشأ هذه الحالة من تجارب سيئة، أو ضغوط نفسية واجتماعية، أو نقد ذاتي مفرط.و تظهر الكراهية الذاتية في سلوكياتنا اليومية مثل التهرب من المسؤوليات لسبب الشعور بأنه غير جدير بالنجاح. النقد المفرط للذات و الميل إلى جلد الذات على الأخطاء الصغيرة، و أيضا رفض المدح والثناء: الشعور بعدم الاستحقاق للثناء. تجدون هنا مقال جميل عن كتاب يشرح بتفصيل سبب كرهك لنفسك.
أسباب الكراهية الذاتية
1. التنشئة الاجتماعية: النقد القاسي أو التهكم المستمر يغذي الشعور بالنقص.
2. التوقعات العالية للذات: كثير من الناس يضعون معايير عالية لأنفسهم، وعندما لا يصلون إليها، يشعرون بالفشل مما يغذي الكراهية الذاتية.
3. تأثير وسائل التواصل الاجتماعي: المقارنات المستمرة مع الآخرين عبر وسائل التواصل تزيد من مشاعر عدم الرضا عن الذات.
التأثيرات السلبية للكراهية الذاتية على الحياة الاجتماعية
- انعدام الثقة بالنفس: يؤدي إلى تجنب التحدث أو التفاعل مع الآخرين.
- عدم القدرة على إقامة علاقات عاطفية صحية: يجد الفرد صعوبة في قبول محبة الآخرين.
- الميل إلى السلبية والتشاؤم: حيث يميل إلى نقل مشاعر سلبية للآخرين.
سبب كرهك لنفسك؟: ماذا قال الله عن كره النفس؟
القرآن يشير إلى أهمية احترام النفس وعدم ظلمها أو إهانتها. يُحث الإنسان على الاهتمام بنفسه، ورؤية قيمته التي منحه الله إياها، والابتعاد عن تحقير الذات أو الشعور بالدونية. الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم، كما ورد في قوله تعالى: “لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ” (سورة التين، الآية 4). وهذا يدل على أن الإنسان مُكرَّم من الله وأن عليه أن يرى قيمة نفسه في إطار التكريم الإلهي. وأيضاً، حثّ القرآن الكريم الإنسان على تزكية نفسه والابتعاد عن السوء. يقول الله تعالى:“قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا . وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا” (سورة الشمس، الآيتان 9-10)
لا يجب أن تكره نفسك، ما سبب كرهك لنفسك؟. لا يوجد حقا ليس لديك الحق في ذلك. أنت خلق الله، وجميل كما أنت. واجبك أن تعتني بنفسك وتسعى لتطويرها إذا أردت، ولكن الأهم هو أن تتقبل ذاتك كما هي. تخيل لو كنت صديقًا لنفسك، كيف ستعامل نفسك حينها؟ هكذا يجب أن تنظر إلى نفسك، بحب واهتمام، تمامًا كما تفعل مع أصدقائك المقربين. قدِّم لنفسك التشجيع والدعم، واحتفل بنجاحاتك الصغيرة والكبيرة.
تذكر أن لديك الحق في ارتكاب الأخطاء، وأن الفشل هو جزء من التعلم والنمو. كلما قمت بتعزيز حبك لذاتك وزيادة ثقتك بنفسك، كلما انعكست مشاعرك الإيجابية على الآخرين. استثمر وقتك في الأنشطة التي تُسعدك وتُعزّز من تقديرك لذاتك، وكن لطيفًا مع نفسك في الأوقات الصعبة، فكلما أحببت نفسك بصدق، زادت قدرتك على منح الحب للآخرين. هكذا يجب أن تنظر إلى نفسك.(أنظر الصورة). إليكم فيديو مميز يتناول كيفية تعزيز حب الذات.
أتمنى أن تكون هذه الطالبة قد وجدت في نفسها القوة لتحب ذاتها. قد تقرأ هذه الكلمات يومًا ما وتتذكر رسالتي. تذكرت هنا قول جلال الدين الرومي: “النور الذي تتركه في أحدهم، يضيؤك أنت”.