في القرآن الكريم، ذكر الله الوسواس في مواضع عدة، ولفت نظرنا إلى أن الوسواس يكون من الشيطان. لكن غالبًا ما نتذكر الوسواس بعد أن نقع في الذنب أو المعصية، وعندها نُقرّ بأن الشيطان هو من وسوس لنا. يتبادر إلى الذهن هنا سؤال مهم: هل الشيطان يوسوس فقط عندما نشرع في عمل ما؟ أم أنه موجود في كل وقت؟ هل الشيطان موجود في الخارج يترصدنا فقط قبل الشعور بالقيام بأي عمل، أم أنه موجود في داخلنا؟ أثناء ارتكاب ذنب أو معصية، هل يمكننا لوم الشيطان أم أنفسنا؟ أين يوسوس الشيطان؟ كل هذه الأسئلة سنحاول الإجابة عنها.
مفهوم الوسواس في القرآن
يقول الله تعالى: “مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ. الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ.” هذه الآية تشير إلى أن الوسواس أولًا هو شر وسلبي، ولا يوجد وسواس إيجابي. تعريف الوسواس هو صوت داخلي خفي، وهو الصوت الذي يحدث داخل الإنسان. أحيانًا يكون مسموعًا، لكنه يؤثر بشكل عميق في التفكير والشعور الداخلي للإنسان.
في القرآن الكريم، يستخدم الله تعالى مصطلح “النجوى” للإشارة إلى هذا الحوار الداخلي بين الإنسان ونفسه، ويقول في سورة المجادلة: “إِنَّما النَّجوى مِنَ الشَّيطانِ لِيَحزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا”. هذه النجوى، في المفهوم الديني، هي حديث النفس الذي ينقله الشيطان ليحزن المؤمنين.
لكن من ناحية العلمية، يعرف الواسواس بالتفكير السلبي، و الجميع يعرف معنى هذا لان الجميع قد اختبر معنى تدفق الافكار السلبية في عقلك و كيف تؤدي بك الى الشعور بالاحباط و الحزن.
أكيد رأيت أناس يتتكلمون مع انفسهم معضم الوقت و يصرخون و كانهم مع شجار مع احد إلا انهم مع أنفسهم . هم ليسو مجانين لانك انت ايضا تقوم بذالك لكن بشكل صامت و خفي. و ايضا تعرف ان هذا الصوت يعلق يتأمل، يحكم، يقارن و يشكو، يرغب، لا يرغب، وهكذا. و في كل الاحوال ياتي بصفة سلبية حتى يشوه الحالة التي انت فيها . وليس من غير الشائع أن يكون الصوت أسوأ عدو للفرد. يعيش في رأس العديد من الناس الذي يهاجمهم ويعاقبهم باستمرار ويستنزفهم. إنه السبب في التعاسة المكتومة.
ولناكد ان سواء النجوى في القران او التفكير السلبي في العلم هو نفسه من عمل الشيطان لهدف واحد ان يغرس الحزن فيك لقوله:”مِنَ الشَّيطانِ لِيَحزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا”.
لنتعرف على الأبواب الأخرى التي يدخل منها الشيطان:
عدم الرضا والشعور بالشكوى المستمرة:
يمكن أن يتسلل الوسواس على هيئة أفكار متكررة تحمل فكرة رئيسية مثل: “أنا لست كافيًا”، أو “أنا لا أملك شيئًا”. تجد نفسك تعيش في حالة من عدم الاكتفاء، مما يؤدي إلى الشعور بالإحباط والشكوى المتواصلة. تعتقد أن هناك دائمًا شيئًا ينقصك، والبعض قد يتخيل أنهم يعرفون ما ينقصهم: علاقة بشخص معين، تحقيق إنجاز كبير، إنجاب أطفال، امتلاك أموال، أو حتى تغيير المكان.
هذا التفكير يجعلك تعيش في حالة من السخط والعدوانية تجاه ما لديك بالفعل. ولكن إذا تأملت قليلًا، ستجد أن ما تملكه الآن ربما كان حلمك في الماضي. بدلاً من التركيز على ما تفتقده، حاول أن تنظر بعين الامتنان لما تمتلكه حاليًا، دون الحاجة لمقارنته بحياة الآخرين
أحيانًا قد يكون الوسواس صوتًا خفيًا يتسلل بين الأشخاص، وهو ما يُسمى بـ”النَّزغ”، الذي يعني الإفساد وإشعال النزاعات بين الناس. وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا النوع من الفتن في قول يوسف عليه السلام:“مِن بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي”، حيث يظهر هنا كيف يمكن للوسواس أن يتسبب في الخلافات العائلية والاجتماعية، بل يؤدي إلى القطيعة والكراهية.
الشيطان لا يكتفي بإغواء الفرد فقط، بل يسعى إلى إفساد العلاقات بين الناس، ليزرع الشك والعداوة، كما يتضح في قوله تعالى: ﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ﴾. هذه الآية تكشف عن استراتيجيات الشيطان المتنوعة لإغواء الإنسان وجعله ينزلق في المعاصي.
- الشهرة والنجومية (صَوْتِكَ):
يستغل الشيطان حب الإنسان للظهور والشهرة، محرضًا إياه على التفاخر والغرور. هذا التنافس السلبي قد يؤدي إلى الحسد والعداوة بين الناس. - الأوهام والتخيلات (بِخَيْلِكَ):
يلقي الشيطان في ذهن الإنسان أفكارًا وهمية وتصورات مضللة، تشوش على الحقائق وتبعده عن الصواب، مما يدفعه لاتخاذ قرارات خاطئة. - السلطة والنفوذ (رَجِلِكَ):
يستخدم الشيطان حب السيطرة والنفوذ لدى البعض لإفساد الآخرين واستغلال سلطتهم في تحقيق أهداف تخالف الأخلاق والدين. - المال (الْأَمْوَالِ):
يدفع الشيطان الإنسان إلى حب المال بجنون، مما يجعله يرتكب المعاصي كالكذب، والغش، والفساد في سبيل الحصول عليه. - الأولاد (الْأَوْلَادِ):
يفتن الآباء بحب أبنائهم، لدرجة تجعلهم يغفلون عن تربيتهم على القيم الصحيحة، أو قد يدفعهم هذا الحب إلى ارتكاب أخطاء لتلبية رغبات أبنائهم على حساب المبادئ. - وعد الشيطان وغروره في النهاية، وعد الشيطان للبشر ليس إلا خداعًا وغرورًا. يعدهم بالسعادة والمتعة، ولكن نهايته دائمًا خيبة أمل. كما قال تعالى: ﴿وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾. تجدون مقال مفصل عن مداخل السيطان الى النفس الانسانية هنا.
كل ما يؤذي النفس من حزن أو اكتئاب أو اضطراب داخلي يبدأ بأفكار سلبية. هذه الأفكار تكون كاذبة لأنها من الشيطان، لكنها تصبح قوية عندما تصدقها وتؤمن بها بعمق، فتتبناها وكأنها حقيقة مطلقة. مثل هذه الأفكار قد تتجلى في عبارات داخلية مثل: “أنا أعلم أن الله لن يباركني”، أو “مستقبلي لن يكون جيدًا”، أو “أنا سيئ الحظ”. ومع تكرار هذه الأفكار، تتحول إلى اعتقادات راسخة تؤثر بشكل مباشر على نظرتك للحياة وشعورك بالرضا.
من الأمور التي تزرع الرضا في النفس تكرار الأفكار الإيجابية على نفسك، وليس هناك ما هو أكثر إيجابية وتأثيرًا من ذكر الله. ذكر الله يملأ القلب بالطمأنينة وينعكس على العقل الباطن بإشارات تدفع الإنسان نحو الإيمان بأن الخير قادم، وأن الله قدّر له كل ما فيه مصلحة وسعادة. في قوله “فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى” (طه: 130).
ركز في اخر الاية “لَعَلَّكَ تَرْضَى” فالرضا ليس حالة مفروضة بل هو قرار داخلي يبدأ من طريقة تفكيرنا ومن استبدال الأفكار السلبية بالإيجابية، ومن المواظبة على ذكر الله الذي يربطنا بمعاني الطمأنينة والأمل.
تجدون هنا فيديو عن التسبيح