إذا كنت تقرأ هذا المقال، فمن المحتمل أنك تعاني من حالة غضب حالياً، أو تمر بنوبات غضب متكررة، أو ربما تتعايش مع الغضب وكأنه جزء من حياتك، مقتنعاً بأنه حالتك الطبيعية. ولكن بما أنك هنا، فهذا هو الوقت المناسب لتكتشف: ما الذي يحدث للإنسان عند الغضب؟
هل شعرت يوماً كأنك بركان على وشك الانفجار؟ دمك يغلي، قبضتك مشدودة، وكأنك على حافة الانفجار في أي لحظة؟ هذا الشعور ليس غريباً؛ جميعنا مررنا بتلك اللحظة. ولكن، ماذا لو أخبرتك أن هذه القوة الهائلة، هذا الغضب الخام الجامح، لا يجب أن يسيطر عليك؟ ماذا لو استطعت أن تحوله إلى طاقة تدفعك نحو تحقيق أعظم إنجازاتك، بدلاً من أن يعيقك؟
المحتوى
تفسير الغضب بشكل عام.
غضب حالة جسدية ورد فعل لا إرادي من الجسم عندما لا يتحقق الهدف المرجو، حتى لو كان بسيطاً. على سبيل المثال، تخيل أنك تنوي البحث عن شيء ما عبر الإنترنت، ولكن تجد أن الاتصال بالإنترنت قد انقطع. هذا الإحباط يثير الغضب الكامن داخلك، فتشعر بتدفق طاقة مجهولة المصدر تسري في جسدك. إذا لم تكن واعياً لهذه الطاقة وتدرك أن هناك غضباً ينشأ داخلك، فإن العقل يستغلها ضدك.
كيف يحدث ذلك؟ يستخدم العقل هذه الطاقة لتوليد تيار من الأفكار السلبية عنك، وعن حياتك، وعن ظروفك، مما يجعلك تنجرف بعيداً عن المشكلة الأصلية وتدخل في حالة من اللوم والشكوى تجاه الإنترنت أو حتى أفراد العائلة. وبدلاً من البحث عن الحل، تجد نفسك محصوراً في دائرة اللوم، وهذا يزيد من معاناتك.
عندما يغضب الشخص ، غالباً ما يعتقد أنه على حق، وأن السبب وراء شعوره بالغضب هو ما منعه من تحقيق هدفه. لكن الحقيقة أن الغضب ليس مجرد إحساس جسدي أو عاطفي، بل يعبر عن جرح داخلي. الغضب غالباً ما يكون مرتبطاً بـ ألم داخلي قديم، مثل الإحباط، والخوف، والخيبات التي لم تُعالَج بشكل صحيح. فعندما يغضب الشخص، فإنه في الواقع يعبر عن ألمه الذي تعرض له في الماضي. بسبب موقف معين أو كلمات شخص آخر. فهم هذه الجروح والتصالح معها هو خطوة مهمة في التعامل مع الغضب. حتى لا تستمر في توليد الغضب.
يستخدم الغضب غالباً كنوع من العقاب للآخر، وكأن الشخص يلومه قائلاً: “أنت السبب في ما أشعر به، وعليك أن تدفع ثمن ذلك”. و أيضا في بعض الاحيان هة عندما يشعر الشخص أنه مهدد، فإنها يستجيب بالغضب. بعبارة أخرى، الغضب هو محاولة من الأنا للدفاع عن نفسها.
قد ينشأ الغضب من فكرة عابرة في العقل يمكن أن تضعك في حالة من التوتر والهيجان. ففي بعض الأحيان، أثناء قيامك بأعمالك اليومية الروتينية، قد تتسلل إلى ذهنك فكرة أو يعود إلى عقلك سيناريو قديم يجعلك تشعر بالغضب تجاه شخص أو موقف معين، رغم أن هذا السيناريو لا وجود له الآن؛ قد تكون جالسًا في البيت مرتاحًا أو في حالة استرخاء أثناء الاستحمام، لكنك تجد نفسك غارقًا في شعور الغضب. دعني أخبرك، إن وجدت نفسك في هذه الحالة، فاعلم أن هذا قد يكون من وسوسة الشيطان، فهو يسعى دائمًا لاستفزاز الإنسان وإغضابه، كما ورد في قوله تعالى: “وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ”. و الصوت هنا حسب تفسير العلماء هي الأفكار اللاإرادية.
الغضب يتولد داخلك كما يحدث مع التنفس؛ فالإنسان لا يتحكم في عملية التنفس التي تحدث تلقائياً، وكذلك الغضب يظهر دون تخطيط. لكن الفارق هنا أن الغضب يمكن السيطرة عليه والتعامل معه، على عكس التنفس الذي لا يمكن إيقافه، وإن لم يكن بالإمكان محوه تماماً.
الغضب ليس صفة شخصية، بل يتغير حسب الموقف والشخص الذي تتعامل معه؛ فمثلاً، طريقة غضبك من والدتك تختلف عن غضبك تجاه والدك، رغم أنهما في نفس المقام. كذلك، شعورك بالغضب تجاه صديقك يختلف عن غضبك تجاه معلمك. ولا يمكن القول بأن الغضب على شخص غريب أسوأ أو أفضل، فهو مجرد تعبير مختلف للطاقة ذاتها.
طاقة الغضب.
عندما ينتابك الغضب، تشعر بطاقة تتدفق في داخلك؛ في الواقع، هذه الطاقة هي ذاتها التي تحس بها أثناء ممارس الرياضة، لكنها في حالة الغضب تتخذ شكلاً مختلفاً بسبب تأثير العقل وهياجه. العقل، حين يغضب، يُغرقك في أفكار سلبية وربما مدمرة، وقد تجد نفسك تفكر في تصرفات غاضبة لم تكن لتتخيل أنك قادر عليها.
إنها طاقة هائلة، يمكنها، إن وُجّهت بالشكل الصحيح، أن تحرك الجبال. فالمشكلة ليست في الغضب بحد ذاته، بل في علاقتنا معه؛ في الطريقة التي نختار التعبير عنه أو كبحه. يجب أن تدرك بأن غضب لن، ولن يغير أي شيء؛ لن يحسّن من حركة المرور، ولن يُصلح الناس، ولن يفعل أي شيء سوى زيادة بؤس الإنسان. ما هو علاج الغضب السريع؟
الوعي بالغضب.
الغضب يكمن في أعماق كل إنسان، فهو جزء من داخله ومتعلق به وحده، وليس نتيجة لشخص آخر أو ظرف خارجي. بسبب رفض العقل تقبل بعض الأمور، مما يجعله في حالة دائمة من النقد والتذمر، حتى من أبسط الأمور. ويبرهن أوشو على ذلك بمثال بسيط: جرّب أن تمضغ العلكة بارتياح، وبعد بضع ثوانٍ ستجد أن عقلك قد بدأ يسبح في تيار من الأفكار السلبية، مما يثير الغضب بداخلك، ويدفعك لمضغ العلكة بعنف دون سبب واضح. بدلاً من مقاومته. بدلاً من محاولة التخلص منه بسرعة، يعني أن نرحب بهذه الطاقة ونفهمها بعمق. فعندما نتفهم الأسباب التي تجعلنا نشعر بالغضب، يمكننا العمل على معالجة هذه الأسباب من الجذور، وهذا يؤدي إلى تقليل نوبات الغضب على المدى الطويل.
قبول اللحظة الحالية.
واحدة من الركائز الأساسية في تعاليم تول هي قبول اللحظة الحالية كما هي، دون مقاومة. يرى أن الكثير من الغضب ينبع من رفض الإنسان للواقع كما هو، ومحاولته تغييره أو السيطرة عليه. عندما يتعلم الإنسان قبول اللحظة الحالية بسلام، يمكنه التحرر من الغضب الذي يولده الرفض والمقاومة. وهذا لا يعني الاستسلام للأوضاع السلبية، بل قبولها أولاً بوعي ومن ثم التصرف بناءً على الهدوء الداخلي وليس على ردود الفعل العاطفية. هنا مقال عن قوة الان للكاتب إخارت تول.
الإصغاء لغضبك بوعي.
يمكننا أن نرى الغضب كمصدر للمعلومات؛ فقد يكون إشارة إلى ظلم، أو دعوة لوضع حدود، أو دافعًا لإجراء تغيير نتجنب مواجهته. المفتاح هنا هو الإصغاء لغضبك دون السماح له بأن يملي عليك أفعالك. هنا يبدأ العمل الحقيقي. خذ لحظة واسأل نفسك: ما الذي يحدث حقاً هنا؟ ما الذي يغضبني فعلاً؟
في أغلب الأحيان، ستكتشف أن المحفز الظاهري ليس هو المشكلة الحقيقية؛ ربما لا يكون غضبك بسبب طبق متسخ في الحوض، بل بسبب شعورك بعدم التقدير. ربما لا تضايقك زحمة المرور بقدر ما يقلقك التأخير عن اجتماع مهم. حين ننظر بعمق، نجد أن معالجة السبب الجذري لغضبنا تحقق نتائج أكبر من مجرد التعامل مع الأعراض السطحية.
الحل يكمن في أن تصبح شاهداً على الطاقة والأفكار التي تدور في عقلك أثناء الغضب، والأهم من ذلك، ألا تصدّق تلك قصص داخل العقل لتبرير الغضب وتضخيمه.فمثلاً، عندما يغضب الإنسان، قد يبدأ العقل في تكرار أفكار مثل “هذا ليس عدلاً” أو “كان يجب أن يعاملني بطريقة أفضل”. هذه القصص تزيد من شعور الغضب وتمنحه المزيد من القوة. لذا ينصح الإنسان بالابتعاد عن هذه القصص وعدم التماهي معها، والتركيز بدلاً من ذلك على اللحظة الحالية وما يشعر به دون الحكم.
عندما يهدأ الغضب، قد تندم على الأفعال التي قمت بها، ولكنك تدرك في الوقت نفسه أنك عند تكرار الغضب ستعيد نفس السلوكيات. هذا ما يسمى “النمط العقلي”، حيث يتكيف العقل والجسد مع تكرار الأفعال والتصرفات نفسها بشكل آلي.
قد تقول “سأغير نفسي”، وتلتزم بالتغيير، ولكن التغيير الحقيقي يبدأ فقط عندما تكون واعياً لما يحدث داخلك أثناء الغضب. إذا حاولت ألا تتماهى مع غضبك، فأنت تنتقل من كونك أسير الغضب إلى الاعتراف بوجود الغضب بداخلك، دون أن تتورط فيه. عندها، تصبح أنت الشخص الواعي بوجود هذه الطاقة وتتحكم بها.
في مثل هذه اللحظات، قد يقاوم عقلك ويخبرك بأنك لا تستطيع السيطرة على الغضب، وأن الظروف أو الأشخاص الآخرين هم السبب فيما تشعر به، مما يدفعك إلى لومهم والشكوى. غالباً ما نعتقد أن الشكوى تساعدنا على التنفيس عن مشاعرنا، لكن الحقيقة هي أنها نوع من الهروب من تحمل المسؤولية وعدم السماح بمرور مشاعر الغضب بسلام، وهذا يضاعف من معاناتنا.
قد يقول لك عقلك “لقد فشلت، هناك خطأ ما فيك”. لكن هذا مجرد نمط ذهني مشترك بين البشر جميعاً. يحدث أن نواجه أشياء خارجية لا نريدها وننزعج منها، وهذا أمر طبيعي. لكن ما يدور داخلنا هو ما يمكننا التحكم فيه، وهذا يجعلنا قادرين على اختيار ما نريد أن نشعر به؛ الغضب أم السعادة؟
الخاتمة.
دعونا نكون واقعيين، تغيير علاقتنا بالغضب ليس بالأمر السهل؛ إنها عملية تستغرق وقتًا وجهدًا وصبرًا، وقد تتخللها انتكاسات. ستكون هناك أيام تفقد فيها هدوءك، لكن الأهم هو الاستمرار في المحاولة.
في المرة القادمة التي تشعر فيها بالغضب، جرّب أن تتوقف للحظة: أغمض عينيك، خذ نفسًا عميقًا، ولاحظ أين يظهر الغضب في جسدك، سواء كان ضيقًا في الصدر أو حرارة في الوجه. راقب هذه الأحاسيس والأفكار التي تراودك دون أن تحاول تغييرها، وشاهدها وهي تأتي وتذهب مثل السحب في السماء. مع الممارسة، ستدرك أنك لست غضبك، بل أنت الوعي الذي يراقب.
قد يحمل البعض منا الغضب من تجارب الماضي أو الظلم، وقد يكون من الصعب التعامل مع هذا النوع من الغضب العميق. اعلم أن غضبك مشروع، فهو رد فعل طبيعي تجاه الألم وسوء المعاملة.
الهدف ليس التخلص من الغضب تماماً؛ بل يمكن للغضب أن يكون حافزًا للنمو وتحقيق التغيير الإيجابي. لاحظ غضبك عندما ينشأ، وكن فضولياً، واطرح الأسئلة: “لماذا أنا غاضب؟” من دون البحث عن جواب فوري، وستأتي الإجابة في الوقت المناسب.
في كل مرة تختار فيها استجابة مدروسة بدلاً من استجابة عفوية، فإنك تعيد تشكيل علاقتك بالغضب، وتبني مسارات جديدة لتسهيل التحكم به مستقبلاً. لديك القدرة على تحويل هذه الطاقة القوية إلى قوة بناءة، وليس الأمر سهلاً دائماً، لكنه يستحق المحاولة، وسيحررك من سيطرة الغضب عليك.
تذكر أنك قادر على كتابة قصتك بوعي، فلا تحددك ردود الأفعال أو مواقف الماضي، بل اختياراتك في هذه اللحظة. اختر الوعي، اختر النمو، وشاهد كيف يتحول عالمك من حولك. هنا فيديو عن الامتنان