الامتنان هو أحد أعظم الأدوات التي يمكن أن تُحدث تحولاً حقيقيًا في حياتك. إنه ليس مجرد شعور عابر، بل هو حالة من الوعي والإدراك التي تجعل الإنسان قادرًا على رؤية الخير والجمال في كل لحظة، مهما كانت بسيطة. فبدلاً من الشعور بالاستياء أو الحزن بسبب ما لا نملكه، يمكن للامتنان أن يفتح لنا أعيننا على ما نملكه بالفعل، ويزيد من شعورنا بالوفرة والرضا
جدول المحتويات
الصراع الداخلي مع الأفكار السلبية
في كل مرة نحاول فيها أن نشعر بالامتنان، قد يواجهنا صوت داخلي يقول: “ليس هناك شيء لتكون ممتنًا له، حياتك مليئة بالمشاكل.” هذا الصوت هو انعكاس للأفكار السلبية التي تسيطر على عقولنا والتي قد تكون نتيجة للتجارب الحياتية الصعبة أو للتوقعات العالية التي نضعها لأنفسنا. ومع ذلك، حتى عندما تسير الأمور بشكل جيد، نجد أن هذا الصوت يستمر في جعلنا نشعر بعدم الرضا
هذا الصوت الداخلي، الذي يبدو وكأنه يتحدث إلينا طوال الوقت، ليس سوى تدفق مستمر من الأفكار اللاإرادية. هذه الأفكار تأتي على شكل تعليقات، تخمينات، أحكام، مقارنات، وشكاوى. وغالبًا ما تكون هذه الأفكار لا علاقة لها بالواقع الذي نعيشه في تلك اللحظة، بل تكون مضللة وسلبية. المشكلة ليست في وجود هذه الأفكار، بل في ميلنا لتصديقها والتفاعل معها وكأنها حقيقة
عندما نصدق تلك الأفكار السلبية، فإننا نشعر بالدونية ونفقد الشعور بالوفرة في الحياة. يبدأ العقل في زرع فكرة “أنا لست كافيًا، أحتاج إلى المزيد.” هنا، يبدأ الإنسان في السعي وراء المزيد من الممتلكات، العلاقات، أو الشهرة، على أمل أن يجد في هذه الأشياء الشعور بالاكتمال والرضا
هذا الصوت الداخلي، الذي ينبع من الـ”أنا”، هو الذي يُخلق المعاناة. فالـ”أنا” دائماً في حالة سعي لا تنتهي نحو المزيد. عندما تحصل على شيء مادي، قد تشعر بالرضا لفترة وجيزة، ولكن سرعان ما تعود الـ”أنا” لتطالب بالمزيد. هذه الـ”أنا” ليست سوى هوية متوهمة تعتمد على سلسلة من الأفكار التي تخلق نوعًا من الشخصية الزائفة التي تبحث عن تأكيد مستمر لهويتها من خلال الأشياء الخارجية
عندما يتعلق الإنسان بممتلكاته أو بمكانته في المجتمع، فيعتقد الإنسان أن قيمته تأتي من الأشياء التي يملكها. على سبيل المثال، عندما نقول “هذا بيتي”، نحن لا نعبر فقط عن حقيقة الملكية، بل نخلق ارتباطًا بين هويتنا وملكية هذا الشيء. هذه الملكية تصبح جزءًا من الـ”أنا”، وتشعر بالقوة والفرح لوجودها. ولكن في اللحظة التي يهدد فيها فقدان هذا الشيء، يظهر الخوف والقلق، لأن الـ”أنا” تعتقد أن قيمتها ووجودها مرتبطان بهذه الممتلكات
الـ”أنا” هي كيان لا يشبع أبدًا. إنها تتماهى مع فكرة الامتلاك والتملك، وتسعى دائمًا لإشباع رغبات سطحية وسريعة الزوال. هذه الرغبات، مهما كانت، لا تحقق الرضا الكامل أو الشعور بالاكتفاء، مما يجعل الـ”أنا” تقول: “أنت غير مكتمل، وتحتاج إلى المزيد لتشعر بالاكتمال.”
الممتلكات، سواء كانت مادية أو معنوية، هي مجرد أوهام تخلقها الـ”أنا” لتبدو صلبة ودائمة، ولكن في الحقيقة، هي زائلة. وعندما لا تجد الـ”أنا” نفسها في ما تملكه، تبدأ في البحث عن المزيد، في دوامة لا تنتهي من الرغبات والتطلب
الامتنان كحل للمعاناة
الشيء الوحيد الذي يمكنه إسكات هذه الأصوات الداخلية، هو الامتنان. ليس مجرد شعور، بل هو حالة من التقدير والاعتراف بأن هناك أشياء إيجابية في حياتك. الامتنان لا يعني بالضرورة حب كل جوانب الحياة. لا يمكن إجبار النفس على حب شيء لا تحبه، ولكن الامتنان يتطلب فقط الاعتراف بوجود الخير في حياتك. قد يكون هذا الخير في أشياء بسيطة، مثل الهاتف الذي تستخدمه، أو الأشخاص الذين تتفاعل معهم يوميًا
الامتنان كعادة لتحسين الحياة
إذا كنت ترغب في تغيير حياتك للأفضل، فإن الامتنان هو العادة التي يمكن أن تحدث هذا التغيير. الامتنان ليس مجرد تمرين ذهني، بل هو تحول في طريقة رؤية العالم. يمكنك أن تبدأ بتدوين ثلاث أشياء يومية تشعر بالامتنان لها. هذه الأشياء قد تكون صغيرة، مثل المنزل الذي تعيش فيه، أو صحتك، أو حتى شيء بسيط تملكه
خصص دقيقتين إلى ثلاث دقائق يوميًا للتركيز على اللحظة الحالية. ركز على ما يحدث في تلك اللحظة، أينما كنت، واستمتع بتلك اللحظة البسيطة، ثم قل “شكرًا” لوجود هذه الأشياء في حياتك
عندما تتبنى عادة الامتنان، ستلاحظ تغيرًا تدريجيًا في حياتك. ستبدأ في رؤية الخير والوفرة من حولك، وستقل الأفكار السلبية التي تصنعها الـ”أنا”. الامتنان يخلق حالة من الوعي والاستعداد لاستقبال المزيد من الأشياء الجيدة في حياتك. وكلما زادت قدرتك على رؤية الخير الموجود بالفعل، كلما فتحت الباب لدخول المزيد من الخير إلى حياتك
الامتنان هو المفتاح لتغيير حياتك، ويمكنك أن تبدأ الآن. تجد في هذا المقال هنا كتاب يساعدك على التحرر من المعاناة و العيش في رحم الامتنان. هنا فيديو عن الامتنان.